انتاج كتابي حول متسوّل
ذات يوم
شتويّ ، الطقس فيه بارد ، كنت جالسة على أريكة بقاعة الجلوس أتابع برنامجا ثقافيا باهتمام
، حين تناهى إلى سمعي طرقات على الباب ...
قمت
من مكاني على مضض ظانّة أنّ الطارق أحد الأجوار كالعادة ، وفتحت الباب ، فما راعني
إلاّ أنّي وجدت طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها ستّ سنوات واقفة وراء الباب ، مادّة
يدها النحيلة تتوسّل بصوت مرتعش لعلّ الله يرزقها بشخص يقدّم لها يد العون ...
كانت ترتدي قميصا ممزّقا ذهبت الشمس بلونه وسروالا قصيرا باليا . كانت حافية
القدمين ، خائرة القوى وقد برزت عظام جسمها النحيل كأنّ ليس له جلد يغطّيه ،
واصفرّ وجهها صفرة تحاكي صفرة الأموات ، وشعرها الأشقر أشعث مغبرّ وفد انسدل على
كتفيها الصغيرين ، وعيناها السوداوان شاحبتان دامعتان دموع الألم العميق من قسوة
الحياة وجفاء الأهل والأصدقاء والناس أجمعين ...
آلمني حالها
كثيرا وراودتني أسئلة كثيرة : كيف تتركها أمّها وحيدة في هذه الحالة وهذا البرد ؟
ولكن هل لها والدان ينفقان عليها ويحميانها من قرّ الشتاء وحرّ الصيف وغوائل الدهر
؟ مسكينة هذه البنت البريئة ، ليس لها أيّ ذنب ، فهي تريد فقط أن تعيش مستورة
هانئة سعيدة مثل بقية الأطفال...
بادرتني
بالسؤال في صوت مرتعش :
هل عندك شيء أسدّ به رمقي ؟-
ــ حسنا ! حسنا !
قلت هذا
واتّجهت نحو الثلاجة مسرعة وقدّمت لها ما توفّر من الطعام ... شرعت في الأكل
بشراهة حتى امتلأت بطنها ثم شربت الماء حتّى ارتوت ... وأنا أنظر إليها بتأثّر
شديد ، سألتها :
ــ هل عندك
أبوان ؟
ــ لا ! لا ! لقد
توفّيا منذ نعومة أظفاري .
ــ يا لك من
مسكينة! وكيف
تحصلين على طعامك؟
ــ كنت أشتغل في بيت أحد الأثرياء ... ولكنّه طردني لعدم قدرتي على القيام
بشؤون المنزل .
ــ كيف تشتغلين ؟ هذا لا يعقل ! طفل في مثل سنّك ويشتغل ! هذا
حرام !
ــ ماذا
سأفعل ؟ هذا هو قدري ! عليّ أن أذهب الآن ! شكرا
جزيلا على كرمك !
ــ اسمعي
أيّتها البنية ، أنا أتمنّى لك من صميم قلبي أن تجدي مكانا تأوي إليه وشخصا يرعاك
، وأعدك أنّي سأسعى إلى مساعدتك !
شكرتني من جديد
وانصرفت ... أمّا أنا فعدت إلى البيت حزينة يكاد القلب ينفطر له وأنا أفكّر
في حالة هذه البنية اليتيمة وفي كل الأطفال اليتامى فاقدي السند وواجب المجتمع
نحوهم .