اصلاح انتاج كتابي حول اختيار المهنة
لقد كان أمل الأسرة ورجاؤها أن يدخل كلية
الطب وأن يصبح طبيبا مشهورا.....
أشرفت العطلة على الانتهاء ولم تستقر الأسرة بعد على قرار....تقدَم الأب بخطوات متثاقلة موجها حديثه إلى ابنه - ماذا أنت
فاعل يا بني؟
رد الشاب والحيرة بادية على وجهه : - لست أدري
ولكن أنظر ماذا ترى ؟ قالت الأم بصوت
متهدج :
_ ليس أمامه إلا أن يصبح معلما للمساعدة والتخفيف عنا فأعباء الحياة
ثقيلةوالإحتياجات كثيرة ....
خيَم صمت رهيب على الجميع ولم يجرؤ أحد على اتخاذ القرار المناسب وأن يفرض
رأيه على الآخر....
بات الشاب ليلته يتقلب يمنة ويسرة فلم يغمض له جفن وتلاعبت به الهواجس
واختلطت عليه الأفكار....سمع آذان الفجر فأخذته غفوة وهتف به خلالها صوت رقيق
:
" توكَل على الله وامض في سبيلك" اعترضته صورة أمَه وحنانها
وحبَها وصورة والده وعطفه ورعايته.....
إنَه لو فعل لما بقي للأسرة إلاَ أن تعيش
الكفاف والشظَف والزَمن قاس تدور دوائره....
انتفض من فراشه وقد عقد عزمه... وفهم والداه
أن لا مناص من الفراق, فرضيا صامتين وإن لم ينقطع بكاء الأم الملتاعة التي غطَت
رأسها مخفية دموعا غالية بلَلت وجنتيها, وأخذتها رعدة ورجفة سرت في كامل جسدها....
جمع الأب كلَ ما يملك من مال ادَخره لظرف
طارئ قد يحدث ونزعت الأمَ آخر قلادة ورثتها عن جدَتها...وظلَ الجميع في صمت وحزن
إلى أن قطع جدار الصمت قول الأب موصيا الشَاب:"أنا رجل أشرفت على الشَيخوخة
وقد وضعت كلَ ثقتنا فيك, فلا تخيَب آمالنا وإيَاك ومغريات المدينة وفتياتها إنَهن
لسنا لك وإنَك لست لهنَّ" ثمَ ألقى الشَيخ نظرة إلى ابنة أخيه التي كانت ترقب
ما يجري حيرى بين الأسى والفرح.
لم يسعه إلاَ القبول فوضع يده على رأس أبيه
وقبَل جبينه ثمَ ارتمى بين أحضان أمَه باكيا كما يبكي الرَضيع بعد أن حدج ابنة
عمَه بنظرة فيها الكثير من المعاني....