-->

انتاج كتابي : يوم ربيعيّ بين المتعة والعمل

عند حلول فصل الربيع ، كان الجو جميلا والحرارة معتدلة . قررت الذهاب إلى الحقول للنزهة ، فحزمت أمتعتي وامتطيت السيارة في اتجاه  المكان المقصود.
   وما إن وصلت حتّى انبهرت بهذا الجمال الساحر : فما أجمل الربيع عندما يقبل تلك الشجرة العاربة فتزهر رياحينها  من جديد وتكسي نورا هادئا نديا وعندما يمر من ذلك الجدول فينساب الماء  رقراقا  أو عندما يضفي لمساته الساحرة على الطبيعة فتخضر الأرض بالعشب الطري وتقدم أروع عطاء : فالأزهار ترقص بألوانها الزاهية وروائحها الفواحة ويشارك رقصها  الهواء الندي فينبعث عبيرها الشذيّ  والأشجار فتية ومتنوعة : أشجار سرول  و صنوبر وبلوط وفلين ملتفة الأغصان تشتعل اخضرارا في ذلك الفضاء الندي الظليل و السماء صافية زرقاء لا تعكر صفوها غيمة كأنها عين طفل صغير . والشمس متربعة في كبد السماء ترسل أشعتها الذهبية وتشاهد هذا الجمال بعيون ملأى  بالأمل  ... فسبحان الله العظيم القدير خالق الكون...
وبينما أنا أتنقل من مكان إلى آخر أمتع بنظري إذ بي أرى فلاحا منكبّا على عمله . إنه كهل بلغ الخمسين من عمره وكأنه توقف هناك. الأعوام تمر وهو لايفتر.
  إنه بشوش وحسن الأخلاق يرتدي سروالا و قميصا قد اضمحل لونهما. وله جسد ضامر ووجه بارز العظام . وعيناه لهما حور بديع وانف أفطس و أذنان صغيرتان وشعر اسود كمسلات القنفذ... كان يقيم أحواض  الشجر        ويسقيها بانتظام ، ويقلّع الأعشاب الطفيلية وعيناه إلى الأرض تتفقدان مسار الماء. وكان ينحني تارة ويقف طورا... وكان في منظره شيء من السحر وهو حريص أن يتقن عمله عملا بقول الرسول عليه الصلاة والسلامإنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه .
كنت منشرحة لهذا المشهد أشدّ الانشراح ، وقضيت يومي كله وأنا  ألهو حينا  وأساعد الفلاح على القيام بعمله حينا آخر...
وعندما بدأت الشمس تميل للمغيب و الليل يسدل ستاره ، عدت إلى المنزل ، وتلك الأوقات الجميلة لا تزال مرسومة في ذاكرتي.