-->

انتاج كتابي حول فصل الربيع


       رحل الشتاء بزوابعه المقلقة ورياحه الشمالية القارسة وحلّ محلّه فصل الربيع فصل التجديد  ، فاستيقظت القرى من نومها على نسماته المنعشة الباردة واستحالت الحقول جنات ساحرة مسّتها يد ساحر عبقري تركها متعة للسمع والبصر...
هزّني الشغف لزيارة البساتين المجاورة ، هناك توغلت في غابة أشجارها باسقة على اختلاف انواعها تشتعل اخضرارا ، والعشب رفراف عليه بقية قطرات الندى زادته حسنا وإشراقا ، والماء يلمع صافيا رقراقا ، والشمس تلثم خدّه البراق...
  انطلقت أجري وأستنشق ملء صدري عبق الأرض  فجرى الدم في عروقي وتورّدت خدّاي ، وأغرقت    بصري في فلاّح يستظلّ بظلّ الشجرة ويفترش الحشيش ويقبّل الأوراق : إنه رجل في الخمسين من عمره  تجلّى بجسد ضامر لا يكلّ ولا يملّ ، ذو وجه جعّده الزمن وجبين عريض وأنف أفطس وفم منشق عن ابتسامة عريضة ... كان يرتدي ملابس مهترئة : سروال ممزّق وقميص بال ومظلة تبعثر سعفها  فعلت فيه الشمس فعلها ... و الخراف حوله راحت ترتعفي بساط العشب تستنشق استنشاقا وثغاء أمّهاتها يستحثّ عدم الابتعاد عنها  .
    ولما تقهقرت شمس الأصيل في عرض السماء مسرعة في انحدارها ، قفلت راجعة  وفي مخيلتي أفكار هذا اليوم البهيج لأسرد لحظاتها الشيقة على أسماع لأمي....

                                     ندى المومني