الأخلاق: الخير والسعادة - بكالوريا
5 minute read
الفعل الأخلاقي بين
الخير والشر
الأخلاق هي مجموعة قوانين السلوك الصالحة بصورة مطلقة أو
مجموعة قواعد السلوك
التي يتبعها قوم ما في زمان ما، طلبا للخير ودفعا للشر.
فالقيمة الأخلاقية الفعل هي تلك
القيمة التي يستمدها الفعل من كونه غاية في حد ذاته،
الأمر الذي يجعله مقترنا بالواجب
وبالفضيلة كما يتصورهما الفاعل اي الشخص القائم بالفعل.
ومن ثم يكون الفعل الأخلاقي
هو كل فعل يمارسه الإنسان طلبا للخير وإعراضا عن الشر
وقد يكون ذلك بضرب من
الالتزام الذاتي أو بضرب من الإلزام الاجتماعي
الفعل الأخلاقي: لما كان الخطاب الأخلاقي خطابا معياريا
قوامه الأمر والنهي والتمييز بين
الخير والشر في الحكم على الأفعال الإنسانية، كان الفعل
الأخلاقي، هو كل فعل يأتي استجابة لمجموع الأوامر والنواهي، لكن ما مصدر الأمر والنهي
الأخلاقيين؟
الفعل الأخلاقي التزام ذاتي
لما كان الالتزام فعلا إراديا مستقلا كان على الأخلاق في نظر
لما كان الالتزام فعلا إراديا مستقلا كان على الأخلاق في نظر
كانط أن تصدر عن العقل بوصفه المشرع الأخلاقي الوحيد وليس
عن سلطة تفرض نفسها
على الإنسان من الخارج. ذلك أن استقلال الإرادة شرط
جوهري بالنسبة إلى الفعل
الأخلاقي، ونظرا للصراع بين العقل والإحساسية في توجيه
الإرادة، فإنّ هذه الأخيرة لا
تستطيع أن تكون كاملة ولا تتبع القانون الأخلاقي إلا
مكرهة، لذلك تبدو لها قوانين العقل
بمثابة الأوامر ويميز كانط بين الأوامر القطعية التي
يكون فيها الفعل ضروريا في ذاته
غير مقيد بغاية أو مصلحة) والأوامر الشرطية التي يكون
فيها الفعل ضروريا لبلوغ غاية
معينة، ليؤكد أن الفعل الأخلاقي هو ما كان استجابة لأمر
قطعي لا امر شرطي فلا يكفي
أن يكون الفعل مطابقا للقانون الأخلاقي حتى يعتبر فعلا
أخلاقيا بل لا يعتبر أخلاقيا إلا إذا
قام على احترام القانون الأخلاقي لذاته. لذلك يستبعد
كانط أخلاقية فعل التاجر الذي لا يغش
في بضاعته خوفا من الرقابة الاجتماعية، ذلك أن عدم الغش
لا يكون فعلا أخلاقيا إلا إذا
جاء استجابة لأمر قطعي لا تقيده المصلحة أو الخوف وإلا
فلا فرق بين الغش وعدم الغش
يقول كائط: " إفعل طبقا للمبدأ الذاتي الذي يجعلك
تقدر على أن تريد له في الوقت ذاته أن
يصير قانونا كليا"
الفعل الأخلاقي إلزام اجتماعي: يؤكد دوركايم: "ان
الأخلاق تبدا حيث تبدا حياة الجماعة إذا
أن الثقاتي ونكران الذات لا تلقى لهما إلا في هذا الإطار
فالمجتمع يمارس على أفراده
سلطة متعددة الوجوه ليمتثلوا إلى قواعده الأخلاقية أو
لما يسميه دوركايم بالضمير
الجمعي وذلك بواسطة التربية وتأثير الرأي العام
والقوانين القضائية.. فالمجتمع هو
السلطة المتعالية على الأفراد والضامنة لاحترام القيم
بوصفها سابقة لوجودهم وباقية بعد
زوالهم، لذلك يبدو الضمير الفردي مجرد صدى للضمير الجمعي
لأنه "إذا ما تحدث
ضميرنا كان المجتمع في المتحدث فينا على حد تعبيره.
فالخير هو ما يراه المجتمع خيرا
والشر هو ما يعتبره شرا. وهذا يعني أن قيمتي الخير والشر
ليستا مطلقين بل نسييتين
تختلفان باختلاف المجتمعات
السعادة : للأخيار أم
للأشرار؟
السعادة لا يختلف الناس حول الرغبة في السعادة ولكنهم لا
يتفقون حول ماهيتها أو حول
ما يجعلهم سعداء، فقد يرى البعض أن الثروة هي السعادة
ويرى البعض الآخر أن الرئاسة
هي السعادة.. غير أنه لا يمكن لأي من هذه التحديدات أن
يستوفي حقيقة السعادة لأنه من
الضروري بالنسبة إلى فكرة السعادة أن يكون هنالك كل
مطلق، حد أقصى من زعل
العيش في حالتي الحاضرة وفي كل شروط حياتي في المستقبل،
على حد تعبير كانط
فالسعادة في نظره حالة من الرضا التام تغمر النفس أو هي
إرضاء كل ميولنا على نحو
يضمن التعدد والاستمرارية. وبما أن الإنسان كائن متناهي
فإنه لا يمكنه أن يكون لنفسه
مفهوما محددا لما يعنيه حتى يكون إنسانا سعيدا يقول
كانط: « مشكلة تحديد أي فعل يمكن
أن يجلب السعادة لكائن عاقل تحديدا يقينيا هي مشكلة لا
محل لها على الإطلاق. لذلك
تبقى السعادة مثلا أعلى لا للعقل بل التخيل» على حد
تعبيره، وبهذا المعنى أيضا يصبح
من العبث في نظره أن يعمل الفلاسفة على وصف السيل
المؤدية إلى تحقيق السعادة للبشر
على غرار ما ذهب إليه أرسطو عندما جعل من « السعادة
نشاطا تقوم به التفع طبقا
الفضيلة الأعل أمتيازا وكمالا طوال حياة كاملة أو ما وصى
به القار ابي طالب السعادة
في قوله: السعادة توتر لأجل ذاتها، فهي أثر الخيرات
وأعظمها وأكملها. واذا كانت
مرتبة السعادة في الخيرات هذه المرتبة، فقد يلزم من أثر
تحصيلها لنفسه أن تكون له
السيل والأمور التي بها يمكن الوصول إليها
بيد أن الأخلاق في نظر كانط لا تتوقف على فكرة السعادة
طالما أن الأمر الأخلاقي ليس
أمرا شرطيا وأن الأخلاق ليست مذهبا بعلمنا كيف ينبغي أن
نكون سعداء، بل كيف ينبغي
أن نكون أهلا للسعادة. وبالرغم من قيمة المجاوزة
الكانطية لحدود الطرح الفلسفي القديم
والوسيط لمشكل علاقة المعدة بالخير، فإنه بقي منشدا
للأفق الميتافيزيقي وما يحكمه من
إطلاقية وذلك من خلال وضع معايير أخلاقية متعالية على
المجتمعات والتاريخ وتكريس
مفهوم شبحي للسعادة يبعث على الباس أكثر مما يحمل على
الأمل
الأخبار والأشرار: لا تسعفنا نصوص الفلاسفة بإجابة واضحة
عن الخط الفاصل بين
الأخبار والأشرار. ففي الوقت الذي يرى فيه أفلاطون وأرسطو
وديكارت وكثل صوت
العقل هو صوت الأخيار وصوت اللاعقل (الأهواء
والميولات...) هو صوت الأشرار
يعلن روسو أن الإنسان العاقل حيوان سافل" مؤكدا أن
صوت الأخبار
هو صوت العاطفة
وإذا كان الرأي الشائع يجعل من الاستغلال والكبرياء
والقير مشتقات للشر ومن الرحمة
والمحبة والتسامح مشتقات للخير، فإن نيتشه يكشف زيف هذا
التصنيف استنادا إلى
المقارنة بين تصرفات الأقوياء وتصرفات الضعفاء فيتساءل
هل يعقل أن يطلب قوي
الرحمة من الضعيف؟ وهل يعقل أن يحسد قوي ضعيفا؟ قطعا لا
فتلك هي صفات
الضعفاء. وبما أن الضعفاء يتظاهرون بالمحبة والتسامح
وطلب الرحمة وفي باطنهم
يمثلون حقدا وكراهية فهذا يعني أنهم هم الأشرار
الحقيقيون. إن الأشرار هم الفقراء
والمرضى والجوعى... أما الأخيار فهم الأثرياء والأصحاء،
إنهم الأقوياء الذين لا يتظاهرون
ولا ينافقون بل يمارسون من الأفعال ما تسمح به قواهم.
لكن من هو السعيد بين هؤلاء؟
|
استنتاجات عامة
الأخلاق بما هي حقل
اشتغال وتفكير في أوجه التوتر بين الخير والسعادة، كانت
موضوع مقاربات فلسفية متباينة جمعت بين نقد القيم
الأخلاقية السائدة والتشريع لقيم
بديلة، لذلك كانت فلسفة الأخلاقي دوما امتدادا لفلسفة
المعرفة
: موضوع الأخلاق هو الخير، وفعل الخير قد يكون
استجابة لنداء الإرادة العاقلة كما هي
الأمر الذي كانط أو لنداء العاطفة لدى روسى أو النداء
الضمير الجمعي لدى دوركهايم،
بحيث يكون الإعراض عن هذا النداء أو ذاك هو الذي يجعل
القط لا أخلاقيا أو شريرا.
تصنيف البشر أخلاقيا
إلى أخبار وأشرار يفرض السؤال عن أصل نشاة قيمتي الخير
والشر، وعن علاقتهما بالحياة والموت.
فلسفة السعادة قديما
ووسيطا وحتى حديثا استبعدت الأشرار من قائمة السعداء باعتبار
السعادة هي الخير الأسمي، إلا أن وصل السعادة باللذة كان
سبيلا لمراجعة هذه القائمة
في اتجاه استبعاد من استكملوا الملذات، طالما أن استكمال
الملذات هتك السعادة
عجز الإنسان عن أن
يحدد بدقة ما يجعله سعيدا يضع السعادة في دائرة المثل
التخيلية لا العقلية
ليست الأخلاق سبيلا
لتحصيل المعدة وإنما هي السبيل لأن يكون المرء جديرا بها
في واقع متبدل يبدو
مطلب السعادة الدائمة أمرا مستحيلا خاصة أمام شعور المرء
بالمخاطر الذاتية والموضوعية التي تهدد وجوده وتضاعف
آلامه
اليأس من تحصيل
السعادة وزوال الخط الفاصل بين الخير والشر، قد يشكل مبررا كافيا
التفكير في حياة خلقية فيما وراء الخير والسعادة، وأن
العيش من أجل إسعاد الآخرين قد
يكون سبيلا مناسبة للحصول عليها. لكن هل يشعر الإنسان
بالسعادة حين يكون كل
الناس سعداء؟