-->

«شهرزاد» لتوفيق الحكيم

- البناء الفني
1- الحوار المسرحي:
أ- أنواعه: * ثنائي: بين شهرزاد والوزير قمر: في المنظر الثاني "شهرزاد: وما يجعلك تظن أني أحب شهريار؟ الوزير: وهل يخفى الحب؟"
* جماعي: بين شهريار وقمر وأبي ميسور والجلاد (المنظر الخامس)
ب- أطرافه: الشخصيّات
* مرجعيّتها: 7 تراثيّة: أغلب الشخصيات مأخوذ من قصص ألف ليلة وليلة
7 أسطورية: إيزيس التي شهت بها شهرزاد: "قمر لشهريار: إنك أنت الذي قلت إن إيزيس تشبهها". طير الرخ: "أبو ميسور: هيّا اعتليا جناح هذا
الطير // قمر: الطير؟ أي طير؟ // شهردار: طير الرخ"
/ المعتقد الجماعي/الخرافة: مثل الساحر، عندما وضع رجلا أربعين يوما في دنّ من زيت السمسم وقطع رأس زاهدة. "شهرزاد: سيّان، ومع ذلك
ماذا علمت ؟ ماذا أخبرك رأس زاهدة المقطوع؟ وبم أفضى إليك ساكن دن الذهن؟ هل كشف لك السحر والعلم عن سرّ واحد ممّا تتحرق لمعرفته
من أسرار؟"
عجائبية: زاهدة، بدت شخصية واثقة مالكة للمعرفة إذ كانت أجوبتها مطلقة، حضورها في المسرحيّة تمثل في خطابها الموجه إلى العبد، ورده
عليها يدل على وجود علاقة بينها وبين شهرزاد التي دائما ما تذكر اسمها: "العذراء: أجلت من أجلها؟ // العبد: وأود أن أعرف من هي // العذراء: هي
كل شيء ولا يُعلم عنها شيء
* رمزيتها: 7 شهريار: البطل التراجيدي، الذات الممزّقة بين عقلها وقلها وجسدها، تقاطع فيه وجهان: وجه شهريار ما قبل ألف ليلة وليلة، ذلك المتوحش
المتعطش لإراقة دماء العذارى، ووجه ما بعد ألف ليلة وليلة، أصابه فيه مرض الرحيل فتاق إلى فك ارتباطه بالجسد والمكان ليتوحد في المطلق
فعجز، بدا في المسرحيّة قلقا مسكونا بالأسئلة والحيرة "العبد، وما باله يطيل النظر في السماء كعُبّاد النجوم ...؟" وكان مصرا على تجاوز كل
الحواجز التي تحول بينه وبين إدراك الحقيقة حتى لو كانت شهرزاد نفسها: "لن أعود إلى جسدك الجميل".
7 شهرزاد: لم تعد في المسرحيّة تلك المرأة التي "فعلت بهذا الهمجي ما فعلته كتب الأنبياء بالبشرية الأولى" كما في ألف ليلة وليلة والتي احتالت
لنفسها حتى لا يقتلها شهريار، بل أصبحت في عينه رمزا للمعرفة المطلقة التي اعتاصت عليه سيلها كالألغاز والأسرار، واجتمع فيها ثالوث مثل
جوهر الصراع ومأساة البطل؛ فالعبد كان يراها "جسدا جميلا"، وقمر يظنّ أنها "قلب كبير"، أمّا شهريار المسكون بقلق عقله يراها عقلا عظيما
"ما أنتِ إلا عقل عظيم"
7 الساحر: رمز للجانب الخرافي الكامن في العقل البشري الذي يُوهمه بتملك معرفة خارقة، فهو يدّعي حيازة الأسرار التي لا يدركها الإنسان
البسيط، وتدل سخرية شهرزاد من اعتقاد شهربار في ذلك على بطلان هذا المصدر: "هل كشف لك السحر والعلم عن سرّ واحد ممّا تتحرق
المعرفته من أسرار" ويدل رفض شهريار له وطرده فيما بعد على تأثره بكلام شهرزاد واقتناعه به: "ما تصنع هنا يا هذا؟ لولا يقيني أن حياتك لا
تساوي درهما لأخذتها منك. أغرب ؟"
7 قمر: هو الجانب القلبي في ذات البطل الذي يشدّه إلى حب شهرزاد ويقصر معنى السعادة عليها، لذلك رفض كل سبيل ليست فيه شهرزاد،
واعترض على البطل الذي يسعى إلى فك ارتباطه بها، وقد ظهر هذا في التمتع عن السفر مع الملك في البداية، وفي تشوّقه إليها بعد الرحيل عنها "بل
قل إنك تتحرق شوقا إلى رؤيتها"، وفي غيرته الشديدة عليها عند حديث خيانتها بين الجلاد وأبي ميسور، ثمّ الغضب على شهريار، لينتهي إلى الانتحار
التأكده من خيانتها
/ العبد: يرمز إلى الجانب الشرقي الذي يختزل معنى الإنسان في المتعة الحسيّة، فكان موكلا بتشهي شهرزاد والتشوف إليها العبد: (يتأمّلها ما
أجملك ! ما أنت إلأ جسد جميع ! // شهرزاد: حتى أنت أيضا تراني في مرآة نفسك // العبد: إني أرى الحقيقة"، وقد صارع شهريار هذا الجانب
الغريزي فيه وألح دائما على رفضه: "سحقا للجسد الجميل"، ليكون عفوه عن العبد في المنظر الأخير ذروة هذا الإنكار.
/ الجلاد: يرمز إلى الجانب الماضوي الدموي في حياة شهريار، وحدث تخلّيه عنه الذي افتتحت به المسرحيّة كان التذير الأول بالمأساة التي
سيعيشها: "لم تبق بالملك حاجة إلى جلاد"، ليكون انتحار قمر بسيفه -عوضا عن أن يقتل به شهردار شهرزاد والعبد. ذروة هذه المأساة
* العلاقات بينها: 7 التقابل: بين شهرزاد وشهريار؛ إذ مثلت شهرزاد المعرفة المطلقة في حين مثل شهربار ذلك التائق إلى بلوغها وتملكها، ويظهر التقابل في
مواقف الاضطراب بينهما: "شهرزاد: لا تدع الغضب يبلغ منك يا شهريار، إن الغضب علامة العجز // شهردار: ما جئت كي تهزني بي"
7 الصراع: بين قمر وشهريار، إذ غلب على الحوار بينهما التصادم الكلي فلا يكادان يلتقيان: "قمر: أستسافر حقا؟ شهريار: نعم أو مازلت
تعارض رأيي؟". "أتعصي أمري؟"،
/ المساعدة: بين الساحر وشهريار في المنظر الأول، إذ لجأ إليه شهريار ليهديه إلى المطلق من المعرفة: "شهرزاد: أرأيت كيف تضل السبيل
بالتجائك إلى السحرة والكهان"، وتجسدت هذه المساعدة في وضع رجل في دين من السمسم أربعين يوما "العبد: ولماذا فعل به هذا؟ العذراء: كي
يجيب بعدئني عن كل ما يسأل".
/ العداوة: طرأت على علاقة شهريار بالمتاحر، من خلال طرده: "شهردار: ما تصنع هنا يا هذا؟ .. عد إلى أمثالك ... أيتها الديدان الكبيرة
التي ما خلقت إلا لتأكلها صغارها" وذلك يشير إلى تأثير شهرزاد فيه لأنها أقنعته بعبث اعتقاده في ما يقول به الساحر.
بين قمر والجلاد عند استفزازه بالحديث عن خيانة شهرزاد: "الجلاد: هو الآن عشيق شهرزاد المدلل // قمر: (ينب غير محتمل لما يسمع أيّتها
الكلاب القذرة ! أيّتها البهائم "
/ الإشتهاء: قامت بين العبد وشهرزاد، فهو منذ المنظر الأول يتشوف شيقيّا إليها: "العبد (يتأملها) ما أجملك إما أنت إلأ جسد جميل"
/ الحب: بين قمر وشهرزاد: فهو يحبها ويسعى إلى كتمان ذلك لكنه يفتضح في كل مرّة، وشهريار يعلم ذلك جيدا: "شهريار: بل قل إنك
تتحرق شوقا لرؤيتها"، "شهربار: قمر، أحقيقة أنك تحبها؟"
ج- نسقه: راوح نسق الحوار بين الهدوء والاضطراب لكن الغالب عليه تصعيد الفعل الدرامي في المسرحيّة، نحو الحوار الذي دار بين قمر وشهره
كل شيء عندك شهرزاد ... أيها المسكين //قمر (ثائرا) مولاي"، حتى الهدوء لم يعكس استقرارا حقيقيا بل قد يدل على التأزم نحو الهدوء الذي
ظهر به شهريار في المنظر الأخير أمام مشهد خيانة زوجته له، فإحجامه عن رد الفعل والتار دليل على تصدع ذاته كما تقول شهرزاد "ألا تقتله
وتقتلني ؟//شهريار: كلا ... شهرزاد: أنت رجل هالك"
د. أساليبه: انسجمت مع البعد التراجيدي لمختلف مقامات الحوار في المسرحيّة:|
كثرة الاستفهامات: دلت على الحيرة خاصة، من ذلك الحوار بين العبد وزاهدة الذي دل على عمق حيرته وتشبثه باكتناه الحقيقة: "أو يعرفني ؟ لماذا أيّها
العذراء؟ من هذا؟ لا أحد يدري؟"
جمل التعجب: أظهرت انفعالات الشخصيّة واضطرابها "شهرزاد: عجبا وهل تعرف أنت الحب؟"، "العبد: عجبا "، "شهرزاد: في سبعة أيام؟ "
* الأوامر والنواهي: دلت على طبيعة العلاقات بين الشخصيات وأحوالها، من ذلك ما دلت عليه الأوامر في حوار شهرزاد وشهريار من اضطرابه وارتباكه
أمامها: "شهريار: شهرزاد اسكني" "لا تقتربي مني"، "ابتعدي أيتها الكاذبة"، على حين أنّ شهرزاد بدت متماسكة واثقة أكثر: "اعزفن أيتها الجواري"،
"لا تدع الغضب يبلغ منك"، "اقترب مني يا شهريار"، ..
ه- وظائفه
* الوظيفة الإخبارية: يُجرى فيه الحوار في مقام استخباري وإخباري، من ذلك الحوار بين العبد والجلاد في المنظر الأول وكذا بين العبد وزاهدة: "العيد:
عجبا ! وما سرّ ذلك ؟ // الجلاد: من يدري؟ العبد: لا أحد يدري؟ الجلاد: لا أحد يدري // العبد: ومتى أصيب بهذا؟ //"
* الوظيفة الدراميّة: تظهر من خلال تصعيد الفعل الدرامي وتكثيفه في الحوار حتى يبلغ ذروة الاضطراب والتأزم، من ذلك الإنباء بانتحار قمر: "العيد
الجدة النجدة ! الوزير // شهردار: الوزير ا قمر ؟ ماذا به؟ // العبد: سيف الجلاد ! أطاح رأسه عن جسده بسيف الجلاد"
* الوظيفة التصويرية: يكون الغرض منها تصوير ملامح الشخصيات وانفعالاتها وسلوكها واحوالها، من ذلك أن بعض ملامح شهربار اتضحت من خلال
الحوار بين العبد والجلاد: "الجلاد: الملك مصاب بخبل.. العبد: نعم نعم أرى شبحا جامدا كعمود بناء"، و اعترافه هو بذلك: "أنا اليوم إنسان
* الوظيفة الرمزيّة: تُشحن بعض الحوارات بدلالات ذهنيّة تتجاوز الدلالة الظاهرة للملفوظات، وهي تفتح بابا لتأويلات تنحو في الغالب منحى تراجيديا:
"شهريار: ... كيف تقول إنّا سافرنا وهذا الأوتاد تشدّنا إلى الأرض"
* الوظيفة الحجاجيّة: تقوى في ضروب الحوارات التي يسعى كل طرف فيها إلى حمل صاحبه على الإذعان لما يطرح عليه من أقاويل، أي يسعى كل منهما إلى
إقناع صاحبه، من ذلك الحوار بين شهريار وقمر: " قمر: أستسافر حقا؟ // شهردار: نعم، أو مازلت تعارض رأيي ؟ // قمر: إني لا أرى ما يحملك
على الرحيل. // شهردار: وما يحملني على البقاء؟"
* الوظيفة السجاليّة: السجال هو أن يحمل طرف ما في الحوار صاحبه على السكوت بإفحامه وتبكيته وذلك من خلال إضعافه، مثلما قام به قمر:
"شهريار: قمر ؟ لماذا تنظر إلي هكذا؟ // قمر: إنك لمسكين ! // شهردار: هدى نفسك يا قمر، وحدّثني بغير انفعال "
* الوظيفة التأثيريّة: تظهر في الحوارات التي يسعى فيها طرف ما إلى التأثير في موقف صاحبه ليحمله على العدول عنه وذلك بالتركيز في نقاط ضعفه، من
ذلك تأثير شهرزاد في موقف قمر وإضعافه: "شهرزاد: وما يجعلك تظن أني أحب شهردار ؟ // الوزير: (في شبه مرارة خفيّة) وهل يخفى الحب !
شهرزاد: عجبا ! وهل تعرف أنت الحب؟ // الوزير: مولاتي // شهرزاد: أجب .. ! // الوزير: أستأذن مولاتي في الانصراف"
* وظيفة بناء العلاقات بين الشخصيات: يكشف الحوارات عن طبيعة العلاقة بين أطرافها، فهي تراوح بين الانفصال كما بين شهريار والمتاحر: "ما تصنع
هنا يا هذا؟ لولا يقيني أنّ حياتك لا تساوي درهما لأخذتها منك. أغرب !" وبين الاتصال كقول شهرزاد للعيد: "اقترب !".
2- الإشارات الركحية:
أ- أنواعها:
* سمعيّة: تنقل ما يطرق الأذن من الأصوات وما لا تسمعه: "صمت"، "صيحة ذعر ترتفع خارج المكان"....
* بصريّة: يُشار بها إلى ما تبصره الشخصيات وما يشد الانتباه من المرئيات: "يتأمل ببصره"، "ينظر إلى جهة الضوء"، ...
* حاليّة: ترسم أحوال الشخصيات وانفعالاتها: "باسما، هادئا ، في خوف، في صوت، متعب، في سخرية خفيفة، "
* حركيّة: وهي إشارات تتعلق برصد حركات الشخصيات : " يخرج، يدخل، يقف، يقترب، يدئو، ..."
ب- وظائفهان |
* الكشف عن حال الشخصيات: وذلك بالإشارة إلى انفعالاتها، وهي موزعة بكثافة في المسرحيّة، والغرض منها هو تنزيل أقوال الشخصيات في مقاماتها حتى
تُفهم مقاصدها، مثل الإشارات المتصلة بالوزير في المنظر الثاني " في شكل مرارة، في اقتناع، في حدّة، يثوب إلى رشده" دلت على ارتباكه وتمزقه بين
ما يضمره من حب لشهرزاد وبين محاولته الظهور بغير ذلك. على حين دلّت الإشارات المتصلة بشهرزاد على تماسكها وثباتها لعلمها بما يُضمره
قمر: "باسمة، في مكر، في خبث، هادئة، "
* تحديد العلاقات بين الشخصيات: دلت بعض الإشارات على طبيعة العلاقات بين الشخصيات، مثل الإشارة المتصلة بشهريار في حواره مع الساحر "يرى
الساحر فيصيح به" دلت على عدائه له
* الإخبار: من خلال تقديم معطيات عن الأحداث والوقائع حتى يعاضد الحوار المسرحي المسار السردي: "الجلاد ينصرف، الساحر يتبعه بأنظاره حتى
يستوثق من ذهابه، فيغلق باب داره ويختفي .."
* الإعداد للمنظر المسرحي: (يظهر الجلاد من جهة، والعيد من جهة، ويتقابلان فجأة في الظلام).
* تصعيد الفعل الدرامي: وذلك بإشارات تُظهر تأزم الأحداث وتعمّق المأساة في مغامرة البطل: "فجأة، صيحة ذعر صيحة ذعر ترتفع خارج المكان، ثم صوت
استغاثة، ويظهر العبد راجعا أدراجه على نحو غريب وهو منفزع"
* تنظيم الفضاء الركحي وتأطيره: وذلك بإشارات تحدّد الرّمان " في جوف هذا الليل البهيم ..." أو المكان: "منزل منفرد ... طريق غير طريق الجلاد ...خان أبي
ميسور، ."
* الإشارة إلى الموسيقى المصاحبة للحوار: (موسيقى خارج القاعة)، (موسيقى بعيدة يحمل أنفاسها النسيم في جوف الليل)، ۔۔
* تحديد نبرة الحوار: وذلك لفهم مقصد المتحاورين وحالهم: "العبد: (يتقدّم هامسا) لا تخافي هذا أنا"
||- القضايا المطروحة: كل القضايا ذهنيّة تُظهر البعد التراجيدي في مغامرة بطل مأسوي
/ إنكار الشهوة واحتقارها لتأتيها من جسد يشدّ الإنسان إلى المحدود: مثله توق شهريار للتحرّر من اشتهاء شهرزاد: "سحقا للجسد الجميل"، "شبعت من
الأجساد (ثلاث مرات)"، "سئمت هذا اللحم ذا الذود"، ... وتظهر ذروة الإنكار في التقابل بين شهريار والعبد الذي يرمز إلى الجانب الشبقي في
شخصيته؛ فقد ظهر متعشقا لجسد شهرزاد مثلما كان شهردار جسدا بلا قلب ومادة بلا روح"، ويبوح العيد بهذا التشي الذي قاده إلى خدر
أنجز هذا العمل بمساهمات تلمذيّة من قسم الرابعة أدايا 3 لسنة 2016-2017 بمعهد حنبعل طبرية بأنامل أية وأشواق وآمنة وأميرة وريم وبشرى ومريم وسمر وأمين ولؤي وسامح ومحمد
، المأساة الجماعيّة: لم تنأ بقية الشخصيات عن المأساة؛ بل كل منها يعيش مأساة ما متأتية من رمزيتها، فمأساة العيد متأتية من شعوره بالوضاعة
والدناءة: "أو يمكن لمثلك أن يعشق عبدا خسيسا مثالي"، "وقبحي وأصلي الوضيع. وهي كذلك ماثلة في وقوعه الدائم تحت التهديد بالقتل، لذا
يحتد شعوره بالخوف والرعب عند تصاعد الفعل التراجيدي في المسرحيّة: "يتوارى العيد في سرعة البرق"، "إن كنت تريد الحياة فاهرب في الظلام
واحذر أن يدركك الصباح"، "لا تفزع ! اختبئ خلف هذا المتتار"، "العبد: (خائفا) مولاي ". أمّا قمر فمأساته متأتية من تعلقه العميق بحب
شهرزاد الذي تجرع مرارة كتمه حتى أضناه، وهذا الحب يرى فيه شهرزاد آلهة الجمال التي يترّهها عن وضاعة الجسد والشهوة حتى عبدها عبادة
كادت تحمله على قتل الجلاد الذي عرّض بها: "قمر: (ينب غير محتمل ما يسمع .. أيتها الكلاب القذرة ! أيتها الهائم !"، فهو يرى في شهرزاد إيزيس
الجمال المبهر وبيديا العقل المطلق، لذلك كان انتحاره الصداما بالدناءة التي تكشفت عنها بمضاجعتها عبدا أسود، وحتى شهرزاد التي تبدو واثقة
متماسكة قوية أمام ضعف كل الشخصيات تمثلت مأساتها في النظرة الاختزالية التي يوجهها إليها كل واحدة منها إليها، فلا أحد يراها على ما هي
عليه " حتى أنت أيضا تراني في مرآة نفسك // العبد: إني أرى الحقيقة // شهرزاد: دعوا الحقيقة في مكانها هادئة ...
> النهاية المفتوحة: لا يمكن الجزم المطلق بدلالة المصير الذي آل إليه البطل؛ ذلك أن القول بالمأساة المطلقة قد يصطدم مع " الميلاد الجديد" الذي وصفته
به شهرزاد في أخر المنظر التابع: "شهريار آخر الذي يعود. يولد غضا نديا من جديد. أما هذا فشعرة بيضاء قد تُزعت"، فالنبوءة بانبعاث شهريار
قد تفتح التأويل على دلالات شتى، فكأن حياة واحدة لا تكتفي ليمتلئ بها الإنسان بالمعنى، لذلك ربما يحتاج إلى أن يُبعث حتى يبلغ مراده ..
وليد نعمان



شهرزاد: "هذه النافذة أنبأتني أنّ خلفها جسدا ينتظر الغرام". ويتضح احتقار هذه الشهوة من خلال ما وصف به العبد في حواره إلى شهرزاد
"ينبغي أن يكون أسود اللون، وضيع الأصل، قبيح الصورة، تلك صفاتك الخالدة" وهي صفات الشهوة |
/ الرغبة في تحرير الذات من العاطفة والشعور والمرأة: ظهرت في تصادم شهربار مع قمر بوصفه ظلا لعاطفة قلبه التي تجتذبه إلى شهرزاد، وكذلك برزت
في اعترافه أمامها: "إني براء من الأدمية، براء من القلب، لا أريد أن أعرف، أريد أن أشعر"، "الحب ! كيف تلفظ هذه الكلمة؟ لا ريب أنها كلمة أثرية
من بقايا العصور الأولى"، وفي رفضه قتلها وقتل العبد دليل على موت هذا الجانب "شهرزاد: أنت رجل هالك"، وسخريته من قمر الذي أنكر عليه
ذلك: "لا تسخر! ثق أن من ملك في حجرته امرأة جميلة فقد ملك الدنيا كلها في حجرته."، حتى كان انتحار قمر تأكيدا لذلك: "انطفأت حياة
قمر"، ..
" تصعيد الإيمان بالعقل بوصفه مصدرا وحيدا للحقيقة: "اليوم نريد الحقائق يا قمر، نريد الوقائع، نريد أن نرى بأعيننا وأن نسمع بأذاننا"
/ استحالة الانفكاك من احتجاز المكان والعجز عن مفارقة حدود الأرض وبلوغ المتماء بوصفها رمزا للمطلق الذي يتوق إليه البطل: كيف تقول إنّا
سافرنا وهذه الأوتاد تربطنا إلى الأرض ؟!"، وقول شهرزاد له: "أنت إنسان معلق بين الأرض والسماء"، "لا شيء غير الأرض ! هذا السجن الذي
يدور"
/ التوق إلى معانقة المطلق واللامحدود: أخبر قمر بأنه يود أن ينطلق إلى "حيث لا حدود"، وعجزه عن الوصول إليه استبقته شهرزاد عندما قالت له:
"أنت تطلب المحال. أنت رجل ذو رأس مريض"
> الرحيل سبيلا لمفارقة ما يشدّ الذات إلى المحدود ويسجنها في المكان: " قمر: إني لا أرى ما يحملك على الرحيل // شهردار: وما يحملني على البقاء؟"
/ التمرّق بين الثالوث: العقل والقلب والجسد: يظهر فيه تصوّر الحكيم للتعادليّة، فالإنسان لا يكون عقلا خالصا أو قلبا أو جسد اخالصين، إنما الذي
يسعى إلى قتل أحدها سيجتذبه الاثنان الآخران، من ذلك تمزق قمر بين العاطفة المجردة من التشوي الحمي وبين العاطفة المشوية بالشهوة
"أنت واهم أيها المسكين ! أنت لا تحتها // قمر: مولاي ... شهريار: (يشير إلى جسم قمر) بل هذا الذي يحبها"
/ العود الأبدي: حتمية العود إلى المحدود والمكان الأول، يظهر من خلال عودة شهريار بعد رحيل لم يدرك به منشوده: "إنا لا نسير، لا نتقدّم ولا نتأخر، لا
ترتفع ولا ننخفض، إنما نحن ندور. كل شيء يدور. تلك هي الأبدية"، وقد شبه نفسه أكثر من مرة ب"الماء في الإناء"
/ النظرة التشاؤمية السوداويّة إلى الحياة والكون: مثلها شهريار خاصة في المنظر الأخير بعد أن اعترف بعجزه عن مفارقة المحدود، وذلك في ما وصفته به
شهرزاد: "إلى هذا الحد أنت ناقم على الطبيعة"، ومقارنته بقمر "ما أبعدك عن قمر الذي يرى الحياة رحبة والطبيعة جميلة"
/ الاستعانة بوسائل خرافيّة لبلوغ المعرفة والمطلق: وذلك في استعانة شهريار بالساحر في البداية عندما تملكه العجز واليأس والحبرة، وهو ما سخرت
منه شهرزاد: "أرأيت كيف تضل السبيل بالتجائك إلى السحرة والكهان"، ثم اعتقاده في وجود طير الخ رغم أسطوريته رغبة منه في الرحيل إلى
حيث لا حدود، وفي هذه المرة يلومه قمر: "أو يعجبك كلام أنصاف المجانين هؤلاء ؟"
7 جنون العظمة الزائفة: وهم تملك المعرفة المطلقة وادعاؤه: "أنا كل شيء .. وأنتِ لا شيء"، "أنا في أوج المعرفة والعقل"، ثم الاعتراف بالقصور عن ذلك
عندما انهار أمام سخرية شهرزاد: "تشيح بوجهك أيها الأعمى ! ... لو كنت تبصر قليلا .."
|||- نقاش عام
في عجز شهربار عن معانقة المطلق: إن مأساة البطل فيها وجوه من الانتصار على ضعفه؛ ذلك أنه خاض مغامرة تجرّد فيها من كل ملهيات الحياة من
الثروة والشهوة والسلطة التي دائما ما يُذكره من حوله بها: "قمر: هل يحسب مولاي، لو جاب الدنيا طولا وعرضا، أنه يعلم أكثر ممّا يعلم وهو في
حجرته هذه؟" ، وتحدّي المجهول رغم نذائر المأساة التي استبقت رحيله: "أنت تطلب المحال، أنت رجل ذو رأس مريض"، فهو بروميثيوس الإغريق
الذي تحدّى الآلهة فسرق التار رغم علمه المسيق بهول انتقامها حتى لقي مصيره معلقا على وجه الجبل تأكل من كبده النسور.
في معنى الإنسان: إنّ مأساة البطل متأتية من رؤية إنسان يبحث عن معنى لإنسانيته خارج المحدود الذي يشدّه إلى الأرض والضيق، فهو لم يشأ أن يسجن
ذاتيّته "في حدود المكانيّة"، وفي مغامرته رفض للمواقف الانهزامية الساذجة التي تختزل معنى الإنسان في عاطفة قلبية أو شهوة جسديّة، وهو
ظامئ إلى اكتناه الأجوبة عن الأسئلة الوجوديّة التي لا تنتهي، فليس الإنسان الحق ذلك الذي يجاري البساطة ويتعلّق بالظاهر ولا يسكنه قلق
الأسئلة وعمق الوجود، وذلك جلي في التصادم بينه وبين شهرزاد: "اترك ما وراء حياتك يا شهريار، تأمّل وجه الرداء، ودعك من البطانة فما فيها
غير خيوط // شهردار: كان الرّداء في تلك الخيوط"، إذن قد يكون في هذه المأساة نفسها معنى الإنسان الذي رفض أن يكون من القطيع الذي يتبع
بعضه بعضا بغير أن يشعر بذاته وسطه.