«الحماسة» عند أبي تمام والمتنبي وابن هانئ
- البناء الفني
1-الإيقاع
أ- الإيقاع الخارجي
* البحور: اعتماد البحور ذات النّفس الطويل: الطويل
(فعولن مفاعيلن 4x) "الحدث الحمراء"،
البسيط (مستفعلن فاعلن 4x) "فتح
الفتوح"، الكامل
متفاعلن 3x) "يوم أرشق".
ودليل ذلك أنه في ديوان الحماسة لأبي تمام اعتُمد الطويل خمسا وخمسمئة مرة (505)،
أي أكثر من 55 بالمئة من
حماسيات الديوان، والوافر ثماني وتسعين مرة (98)،
والكامل ستا وتسعين مرّة (96)، والبسيط واحدا وتسعين مرة (91). |
د يتلاءم إيقاع هذه البحور وطولها مع فخامة المقام
الحماسي الذي تتكثف فيه أهوال الحروب ونستعير فيه الحميّة وتستثار فيه أهواء
القتال، وهذه
البحور عامة هي بحور الأغراض الجليلة، على ضدّ الأرجاز
مثلا التي لا تُنظم عليها هذه الأغراض
* الروي: غلبة الحروف الانفجاريّة الشديدة عليه: -
الباء في "فتح الفتوح "حرف مجهور شديد ينحبس النفس فيه، وهو مناسب
للمقام الملحمي الانتصاري في
القصيدة، ومثله حرف الجيم في قصيدة المتنبي "لهذا
اليوم بعد غد أريج"
- الفاء في "أسفي على الأحرار" لابن هانئ:
حرف ميموس ضعيف يجري التس فيه، وهو مناسب لمقام
التألم والشعور بالضعف لحال الأمة الإسلامية
ب- الإيقاع الداخلي
* التصريع: انتهاء الصدر والعجز في المطلع بالحرف
نفسه
على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر
الكرام المكارم [المتنبي)
ل هذا اليوم بعد غد أريج *** ونار في العدو لها أجيج
[المتنبي)
* الاشتقاق: وهو توليد كلمات مختلفة الدلالة مأخوذة
من جذر اشتقاقي واحد
في يوم أرشق والهيجاء قدرشفت به من المنية رشقا وابلا
قصفا (أبو تمام
فتى مات بين الضرب والطعن ميتة *** تقوم مقام النصر إذ
فاته النصر (أبو تمام
* الترديد الصوتيّ: هو تجاوب الحرف والحرف من الجنس
نفسه في البيت الواحد، مثل حرف الذال في بيت أبي تمام
السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حدّه الحدّ بين الجد
واللعب
* الموازنة الإيقاعيّة: هو توزيع الألفاظ توزيعا
تناظريّا في الصدر والعجز، فعدد الكلمات وجنسها (اسم، فعل، حرف) نفسه في كليهما
تقريبا:
اليسا التعلل | بالأمال من أربيل
اولا القناعة بالإقلال من سعر المتنبي
فأنفاسهن | الحاميات | صواعق (ابن هاني
وأفواههن | الرّافرات حديد
* التوازن الصرفي: هو تفكيك البيت إلى ألفاظ متوازنة
صرفيا دون ربط بينها:
تدبير معتصم بالله منتقم *** الله مرتقب في الله مرتغب
(أبو تمام
الطائرات التابحات السابقات * التاجيات إذا استحلّت نجاء
[ابن هانئ)
* التكرار: إعادة لفظ أكثر من مرة في البيت الواحدة
ويرهب ناب الليث والليث دونه *** فكيف إذا كان الليوث له
صحبا (المتنبي)
* الجناس: اتفاق حروف كلمتين كليا أو جزئيا واختلاف
المعني
والعلم في شيب الأرماح لامعهٔ *** بين الخمسين لا في
السبعة الشب (أبو تمام
* الترصيع: هو السجع في البيت الشعري؛ أي اتفاق
فواصل بعض الألفاظ:
ونحن في جذل والروم في وجل *** والبر في شغل والبحر في
شعل [المتنبي)
* رد الأعجاز على الصدور: وهو العود على الصدر
بألفاظ فيه تتكرر في العجز ليكتمل المعني بها، فالصدر والعجز متعلقان بألفاظ تكرّرت
فيهما:
بيض إذا انتضيت من حجها رجع *** أحق بالبيض أتراباً من
الخب (أبو تمام
* المقابلة: وهي الإتيان بأكثر من معنى ثم بما
يقابله على التعاقب
أبقيت جذبني الإسلام في صعد *** والمشركين ودار الشرك في
صبب (أبو تمام
* الطباق: وهو تقابل كلمتين لفظا ومعنى:
نصر الإله على يديك عباده *** والله ينصر من يشاء ويخذل
[ابن هانئ)
2- المعجم:
أ- المعجم الدّيني: نهض على ضدّيات تظهر الصراع بين
ديانتين: الإسلام، بني الأحمر، الإيمان، الشرك، الكفر، هه
أبقيت جدّ بني الإسلام في صعد *** والمشركين ودار الشرك
في صبب (أبو تمام
- الغرض منه هو إضفاء القداسة على المعارك ضد جيوش
العدو واستثارة الوازع الديني لدى المقاتلين ليثبتوا على الحرب حتى النصر.
ب- المعجم الحربي: انتظم ضروب الأسلحة والعتاد العسكري
- السيف: السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حدّه
الحدّ بين الجد واللعب (أبو تمّام)
- الرمح: بناها فأعلى والقنا يقرع القنا *** وموج
المنايا حولها متلاطم (المتنبي)
- الخيل: فكأن أرجلها بتربة منبج *** يطرحن أيديهن
بحصن الران (المتنبي)
- الأساطيل، أمّا الجواري المنشآت التي سرت *** لقد
ظاهرتها عدّة وع د
يد [ابن هانئ)
- الجيش: بهز الجيش حولك
جانبيه *** كما نفضت جناحيها العقاب المتنبي)
ج- المعجم الحكمي: اشترك شعراء الحماسة في إيراد مكثف
للحكم التي تقوّي الاعتقاد في مشروعيّة الحرب وتزرع اليقين بالنصر في التفوس:
الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أوّل وهي المحل الثاني
(المتنبي)
|
والنحر أصلح للشرود وما شفى *** منه كتحر بعد طول كلال
(أبو تمام
والنصر
ليس يبيّن حق بيانه *** إلا إذا لقي الكثير القليل (ابن
هانئ)
د- معجم الأعلام: إيراد أعلام تشد القصيدة إلى التاريخ
- البلدان والمدن: با يوم وقعة عمورية انصرفت ***
منك المني فلا معسولة الخلب (أبو تمام
- الخلفاء: هذا المعرّ ابن النبي المصطفى *** سيذب
عن حرم النبي المصطفى (ابن هانئ)
- القادة: لولا جلاد أبي سعيد لم يزل *** للثغر صدرُ
ما عليه صدار (أبو تمّام)
- العدو: رضينا والدمستق غير راضي و بما حكم القواضب
والوشيج [المتنبي)
3. الصورة الشعريّة:
أ. القائمة على التخييل: تكثف فيها الاستعارات والمجازات
لتخييل المشهد
بناها والقنا يقرع القنا *** وموج المنايا حولها متلاطم
(المتنبي)
لقد تركت أمير المؤمنين بها *** للنار يوما ذليل الصخر
والخشب (أبو تمّام)
ب- القائمة على التقريب: توظف فيها ضروب التشابيه لتقريب
المشهد
قذت الجياد كأنهن أجادل ** بقري دروليّة لها أوكار (أبو
تمام
حتى كأن جلابيب الدجى رغبت *** عن لونها وكأن الشمس لم
تغب (أبو تمام
ج- القائمة على التهويل: وذلك من خلال المبالغة في توصيف
المشهد ودلالته:
- في تهويل الانتهاك اإلى حدّ هتك المقدسات: شيخ يرى
الصلوات الخمس نافلة *** ويستحل دم الحجاج في الحرم المتنبي)
- في وصف اضطراب الخيول من الطعن بالجنون: والطعن
يُحرقها والزجر يُقلقها *** حتى كأن بها ضربا من الأمم المتنبي
||- المعاني الحماسيّة
1- البطش بالعدو والتنكيل به: نثرتهم فوق الأحيدب
كله *** كما نثرت فوق العروس الدراهم المتنبي) |
لن يستفيق الروم من سكراتهم * إن الذي شربوا رحيق سلسل
[ابن هانئ)
2- الذود عن الحمى والشرف: تبيت بها الحواصن آمنات
*** وتسلم في مسالكها الحجيج (المتنبي) |
3- هجر الملذات والانشغال بالقتال: لبيت صوتا زبطريا
هرقت له *** كأس الكرى ورضاب الحُرَد العَرَب [أبو تمام
4- تقزيم قادة الأعداء: إلآ تفر فقد أقمت وقد رأت **
عيناك قدر الحرب كيف فاز (أبو تمام عن منويل)
غدا خائفا يستنجد الكتب مذعنا ** عليك فلا رسل ثنتك ولا
كتب (أبو تمام
5- رثاء القادة العسكريين وتأبينهم: فتى مات بين
الضرب والطعن ميتة *** تقوم مقام النصر إذ فاته التصر (أبو تمام في رثاء الطوسي)
أيموت مثل أبي شجاع فاتك *** ويعيش حاسده الخصي الأوكغ
(المتنبي في رثاء أبي شجاع الرومي
6- نصرة الدين: أبقيت جذبني الإسلام في صعد ***
والمشركين ودار الشرك في صيب (أبو تمام في فتح عمورية)|
مالي أرى الذين قل نصيره *** بالمشرفين وذلك حتى حَوَفا
[ابن هانئ)
7- تصوير جبن جيش العدو أمام زحف جيش القائد المسلم:
لما لقوك تواكلوك وأعذروا *** هريا فلم ينفعهم الإعذار (أبو تمام في أبي سعيد
الثغري)
8- الاعتداد بالانتصار على الجيوش العظيمة: كم بين
حيطانها من فارس بطل *** فاني الذوائب من آني دم سرب [أبو تقام في فتح عمورية)
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه *** وفي أذن الجوزاء منه
زمازم (المتنبي في وصف قوّة العدو وهزيمته رغم ذلك
9. الاعتداد بالأسطول العسكري والعدّة الحربيّة: أما
والجواري المنشآت التي سرت *** لقد ظاهرتها عدّة وعديد [ابن هانئ في وصف أسطول
المعز
فهناك نار وعي تُشت وهاهنا ** جيش له لجب وثمّ مُغاز
(أبو تمام في تخليد بطولات التغري)
10- وصف جاهزية الجيوش وعظمة عتادها: وكيف أخوض
الجيش والجيش لجة *** وإني بمن قد قاده الدهر مولع [ابن هانئ في وصف جيش جوهر)
بهر الجيش حولك جانبيه *** كما نفضت جناحها العقاب
المتنبي)
11- التعصب المذهبي: تُشب لآل الجاثليق سعيرها ***
وما هي من آل الطريد بعيد [ابن هانئ في تعريضه ببني أميّة لتشيعة العباسي)
12- الاعتداد بواقعات النصر: با بوم وقعة عمورية
انصرفت به منك المني حُفَلا معسولة الحلب (أبو تمام
با يوم أرشق كنت رشق منيّة *** للخرميّة صائب الآجال
(أبو تمام
يوم عريض في الفخار طويل *** ما تنقضي غرر له وحجول ابن
هانئ في واقعة المجاز)
هل الحدث الحمراء تعرف لونها *** وتعرف أي الساقيين
الغمائم (المتنبي)
13- الفخربخصال البطولة: لأتركن وجوه الخيل ساهمة
*** والحرب أقوم من ساق على قدم المتنبي)
14- هيبة القائد أمام مذلة الأعداء: تمرّ بك الأعداء
كلى هزيمة *** ووجهك وضاح وثغرك باسم (المتنبي في مدح سيف الدولة
15- تمجيد العزائم: على قدر أهل العزم تأتي العزائم
*** وتأتي على قدر الكرام المكارم [المتنبي)
III- النقاش العام
* تعظيم القادة العسكريين وعدم الإشادة بدور الجيش
في تحقيق النصر: عرفتك والصفوف معبّأت ** وأنت بغير سيفك لا تعيج (المتنبي)
* تأليه الخلفاء وتنزيلهم منازل الأنبياء: ما شئت لا
ما شاءت الأقدار ** فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي مح م
د *** وكأنما أنصارك الأنص ار (ابن هانئ)
* التشفي الدموي من التنكيل بالأعداء: وكان بها مثل
الجنون فأصبحت ** ومن جثث القتلى عليها تمائم المتنبي
* استدعاء الغيبيات التشريع الحروب: نزلت ملائكة
السماء عليهم * لما تداعي المسلمون نزال أبو تمام
* المبالغة في تشبيه الانتصارات العسكرية بفتوح
الأنبياء: فتح الفتوح تعالى أن يحيط به *** نظم من الشعر أو نثر من الخطب أبو تمام
* التملق للقادة بغرض التكستب، حتى إذا لم يُكرموهم
ستوهم: مدح المتنبي كافورا الإخشيدي في قوله:
ترعرع الملك الأستادُ مُكتهلاً *** قبل اكتهال أديباً
قبل تأديب
فلمّا بخل عليه بالعطيّة والصلة هجاه
لا تشتر العبد إلآ والعصا معاه *** إن العبيد لأنجاس
مناكيد
رغم أن المؤرخين، مثل ابن كثير، أشاروا إلى شهامة كافورا
وعدله
* تحريف حقائق تاريخيّة لإظهار الممدوح على خصومه:
غيب أبو تمام أسباب تمرّد بابك الحُرمي على الدولة العباسية ونسبه إلى الشرك:
ألت أمور الشرك شرّ مال *** وأقرّ بعد تخمط وصيال
على حين أن بعض المؤرخين أكدوا أن الانتفاضة البابكيّة
هي انتفاضة فلاحية في وجه الجور والظلم والاستياد العباسي وجباة الدولة في أقاليم
فارس.
* تغييب انتصارات العدو أو تقزيمها: اعتبر أبو تمام
أن الثورة البابكيّة مجرّد "تخمط وصيال" رغم إتخانها الدولة العباسية
بالهزائم حتى أن المأمون عجز
عن قمعها ولم يتمكن منها إلا المعتصم بعد إرساله جيشا
عظيما بقيادة الأفشين
وكذلك تصوير منويل ذليلا ضعيفا رغم إجماع المؤرّحين على
عظمة هذا القائد الذي انتهك ثغور المسلمين وهدم قلاعهم وهزمهم في معارك عديدة:
إلا تفر فقد أقمت وقد رأت *** عيناك قذر الحرب كيف تُفار
* رفع الممدوح عن اللوم وتنزيهه عن الخطا وتحميل
مسؤولية الهزائم للجيش: قل للدمستق إن المسلمين لكم *** خانوا الأمير فجازاهم بما
صنعوا المتنبي
* القدح في قتلى جيش المسلمين عند الهزيمة: لا
تحسبوا من أسرتم كان ذا رمق *** فليس يأكل إلا الميتة الضبع (المتنبي)